فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

قوله تعالى: {قَالَ لَهُمْ موسى}.. إلخ، بطريق الاستئنافِ المبنيِّ على السؤال يقضي بأن المترقَّبَ عن أحواله عليه الصلاة والسلام حينئذ والمحتاجَ إلى السؤال والبيانِ ليس إلا ما صدر عنه عليه الصلاة والسلام من الكلام، وأما إتيانُه أولًا فأمرٌ محققٌ غنيٌّ عن التصريح به كأنه قيل: فمادا صنع موسى عليه الصلاة والسلام عند إتيانِ فرعونَ بمن جمعه من السحرة؟ فقيل: قال لهم بطريق النصيحة: {وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِبًا} بأن تدْعوا آياتِه التي ستظهر على يدي سِحرًا كما فعل فرعون {فَيُسْحِتَكُم} أي يستأصلكم بسببه {بِعَذَابِ} هائل لا يقادَر قدرُه، وقرئ يَسحَتُكم من الثلاثي على لغة أهلِ الحجاز، والإسحاتُ لغةُ بني تميم ونجد {وَقَدْ خَابَ مَنِ افترى} أي على الله كائنًا من كان بأي وجهٍ كان فيدخل فيه الافتراءُ المنهيُّ عنه دخولًا أوليًا، وقد خاب فرعونُ المفتري فلا تكونوا مثلَه في الخَيبة، والجملةُ اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبلها.
{فتنازعوا} أي السحرةُ حين سمعوا كلامَه عليه الصلاة والسلام كأن ذلك غاظهم فتنازعوا {أَمَرَهُمْ} الذي أريد منهم مِنْ مغالبته عليه الصلاة والسلام وتشاوروا وتناظروا {بَيْنَهُمْ} في كيفية المعارضةِ وتجاذبوا أهدابَ القول في ذلك {وَأَسَرُّواْ النجوى} أي من موسى عليه الصلاة والسلام لئلا يقِفَ عليه فيدافعَه وكان نجواهم ما نطَق به قوله تعالى: {قَالُواْ} أي بطريق التناجي والإسرار:
{إِنْ هاذان لساحران}.. إلخ، فإنه تفسيرٌ له ونتيجةٌ لتنازعهم وخلاصةُ ما استقرت عليه آراؤُهم بعد التناظرِ والتشاور، وإنْ مخففةٌ من إنّ قد أهملت عن العمل واللامُ فارقةٌ، وقرئ بتشديد نون هذان، وقيل: هي نافيةٌ واللامُ بمعنى إلا أي ما هذان إلا ساحران، وقرئ إنّ بالتشديد وهذان اسمُها على لغة بلحارث بن كعب فإنهم يُعربون التثنيةَ تقديرًا، وقيل: اسمُها ضميرُ الشأن المحذوفُ وهذان لساحران خبرُها، وقيل: إن بمعنى نعم وما بعدها جملةٌ من مبتدأ وخبر وفيهما أن اللامَ لا تدخُل خبرَ المبتدأ، وقيل: أصله إنه هذان لهما ساحران فخذف الضمير وفيه أن المؤكدَ باللام لا يليق به الحذفُ، وقرئ إن هذين لساحران وهي قراءةٌ واضحة {يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ} أي أرض مصرَ بالاستيلاء عليها {بِسِحْرِهِمَا} الذي أظهراه من قبل {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى} أي بمذهبكم الذي هو أفضلُ المذاهب وأمثلُها بإظهار مذهبهما وإعلاءِ دينهما يريدون به ما كان عليه قومُ فرعون لا طريقةَ السحر فإنهم ما كانوا يعتقدونه دينًا، وقيل: أرادوا أهلَ طريقتكم وهم بنو إسرائيلَ لقول موسى عليه الصلاة والسلام: أرسل معنا بني إسرائيلَ وكانوا أربابَ علمٍ فيما بينهم، ويأباه أن إخراجَهم من أرضهم إنما يكون بالاستيلاء عليها تمكنًا وتصرفًا فكيف يتصور حينئذ نقلُ بني إسرائيلَ إلى الشام؟ وحملُ الإخراج على أخراج بني إسرائيلَ منها مع بقاء قومِ فرعون على حالهم مما يجب تنزيهُ التنزيلِ عن أمثاله على أن هذه المقالةَ منهم للإغراء بالمبالغة في المغالبة والاهتمامِ بالمناصبة فلابد أن يكون الإنذارُ والتحذيرُ بأشد المكاره وأشقِّها عليهم، ولا ريب في أن إخراجَ بني إسرائيلَ من بينهم والذهابَ بهم إلى الشام وهو آمنون في ديارهم ليس فيه كثيرُ محذورٍ، وقيل: الطريقةُ اسمٌ لوجوه القوم وأشرافِهم لما أنهم قُدوةٌ لغيرهم ولا يخفى أن تخصيصَ الإذهاب بهم مما لا مزيةَ فيه.
وقوله تعالى: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ}.
تصريحٌ بالمطلوب إثرَ تمهيدِ المقدّمات والفاءُ فصيحةٌ، أي إذ كان الأمرُ كما ذُكر من كونهما ساحرَين يريدان بكم ما ذُكر من الإخراج والإذهاب فأزمعوا كيدَكم واجعلوه مُجمَعًا عليه بحيث لا يتخلّف عنه واحدٌ منكم وارمُوا عن قوس واحدةٍ، وقرئ فاجْمَعوا من الجمع ويعضدُه قوله تعالى: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} أي فاجْمَعو أدواتِ سحركم ورتّبوها كما ينبغي {ثُمَّ ائتوا صَفًّا} أي مصطفّين، أُمروا بذلك لأنه أهْيبُ في صدور الرائين وأدخلُ في استجلاب الرهبة من المشاهِدين، قيل: كانوا سبعين ألفًا مع كل منهم حبلٌ وعصًا وأقبلوا عليه إقبالةً واحدة، وقيل: كانوا اثنين وسبعين ساحرًا اثنان من القِبط والباقي من بني إسرائيلَ، وقيل: تِسعَمائة: ثلاثُمائةٍ من الفرس، وثلاثُمائةٍ من الروم، وثلاثمائة من الإسكندرية، وقيل: خمسةَ عشرَ ألفًا، وقيل: بضعةً وثلاثين ألفًا والله أعلم. ولعل الموعدَ كان مكانًا متسعًا خاطبهم موسى عليه الصلاة والسلام بما ذكر في قُطر من أقطاره وتنازعوا أمرهم في قُطر آخرَ منه، ثم أُمروا بأن يأتوا وسَطَه على الوجه المذكور، وقد فُسّر الصفُّ بالمصلّى لاجتماع الناسِ فيه في الأعياد والصلواتِ ووجهُ صِحّتِه أن يكون علمًا لموضع معّينٍ من المكان الموعود، وأما إرادةُ مصلًّى من المصلَّيات بعد تعين المكان الموعودِ فلا مساغ لها قطعًا، وقوله تعالى: {وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} اعتراضٌ تذييليٌّ من قِبلهم مؤكدٌ لما قبله من الأمرين، أي قد فاز بالمطلوب من غلب يريدون بالمطلوب: ما وعدهم فرعونُ من الأجر والتقريب حسبما نطق به قوله تعالى: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} وبمن غلب: أنفسَهم جميعًا على طريقة قولهم: {بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون} أو مَنْ غلب منهم حثًا لهم على بذل المجهودِ في المغالبة، هذا هو اللائقُ بتجاوب أطرافِ النظمِ الكريم، وقد قيل:
كان نجواهم أن قالوا حين سمِعوا مقالةَ موسى عليه الصلاة والسلام: ما هذا بقول ساحر، وقيل: كان ذلك أن قالوا: إن غَلَبنا موسى اتّبعناه، وقيل: كان ذلك قولَهم: إن كان ساحرًا فسنغلِبه وإن كان من السماء فله أمرٌ، فيكون إسرارُهم حينئذ من فرعون ومَلئِه ويُحمل قولُهم: إن هذان لساحران.. إلخ، على أنهم اختلفوا فيما بينهم على الأقاويل المذكورةِ ثم رجعوا عن ذلك بعد التنازُعِ والتناظُر واستقرت آراؤهم على ذلك وأبَوْا إلا المناصبةَ للمعارضة، وأما جعلُ ضمير قالوا لفرعون وملَئِه على أنهم قالوا ذلك للسحرة ردًا لهم عن الاختلاف وأمروهم بالإجماع والإزماعِ، وإظهارِ الجلادة بالإتيان على وجه الاصطفافِ فمُخِلٌّ بجزالة النظمِ الكريم كما يشهد به الذوقُ السليم. اهـ.

.قال الألوسي:

ولم يذكر سبحانه إتيان موسى عليه السلام بل قال جل وعلا: {قَالَ لَهُمْ موسى}.
للإيذان بأنه أمر محقق غني عن التصريح به، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا كأنه قيل: فماذا صنع موسى عليه السلام عند إتيان فرعون بمن جمعه من السحرة.
فقيل: قال لهم بطريق النصيحة {وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِبًا} بأن تدعوا آياته التي ستظهر على يدي سحرًا كما فعل فرعون {فَيُسْحِتَكُم} أي يستأصلكم بسبب ذلك {بِعَذَابِ} هائل لا يقادر قدره.
وقرأ جماعة من السبعة وابن عباس: {فَيُسْحِتَكُم} بفتح الياء والحاء من الثلاثي على لغة أهل الحجاز والإسحات لغة نجد وتميم، وأصل ذلك استقصاء الحلق للشعر ثم استعمل في الإهلاك والاستئصال مطلقًا {وَقَدْ خَابَ مَنِ افترى} أي على الله تعالى كائنًا من كان بأي وجه كان فيدخل فيه الافتراء المنهي عنه دخولًا أوليًا أو قد خاب فرعون المفترى فلا تكونوا مثله في الخيبة وعدم نجح الطلبة، والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها.
{فتنازعوا} أي السحرة حين سمعوا كلامه عليه السلام كأن ذلك غاظهم فتنازعوا {أَمَرَهُمْ} الذي أريد منهم من مغالبته عليه السلام وتشاوروا وتناظروا {بَيْنَهُمْ} في كيفية المعارضة وتجاذبوا أهداب القول في ذلك {وَأَسَرُّواْ النجوى} بالغوا في إخفاء كلامهم عن موسى وأخيه عليهما السلام لئلا يقفا عليه فيدافعاه، وكان نجواهم على ما قاله جماعة منهم الجبائي وأبو مسلم ما نطق به قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}.
{قَالُواْ} أي بطريق التناجي والإسرار {إِنْ هاذان لساحران}.. إلخ. فإنه تفسير لذلك ونتيجة التنازع وخلاصة ما استقرت عليه آراؤهم بعد التناظر والتشاور.
وقيل: كان نجواهم أن قالوا حين سمعوا مقالة موسى عليه السلام ما هذا بقول ساحر، وروي ذلك عن محمد بن إسحاق.
وقيل: كان ذلك أن قالوا: إن غلبنا موسى اتبعناه، ونقل ذلك عن الفراء والزجاج.
وقيل: كان ذلك أن قالوا: إن كان هذا ساحرًا فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمر، وروي ذلك عن قتادة، وعلى هذه الأقوال يكون المراد من {أَمَرَهُمْ} [طه: 62] أمر موسى عليه السلام وإضافته إليهم لأدنى ملابسة لوقوعه فيما بينهم واهتمامهم به ويكون إسرارهم من فرعون وملئه، ويحمل قولهم: {إِنْ هاذان لساحران}.. إلخ. على أنهم اختلفوا فيما بينهم من الأقاويل المذكورة ثم استقرت آراؤهم على ذلك وأبوا إلا المناصبة للمعارضة وهو كلام مستأنف استئنافًا بيانيًا كأنه قيل: فماذا قالوا للناس بعد تمام التنازع فقبل: {قَالُواْ إِنْ هاذان} إلخ.
وجعل الضمير في {قَالُواْ}: لفرعون وملئه على أنهم قالوا ذلك للسحرة ردًا لهم عن الاختلاف وأمرا بالإجماع والإزماع وإظهار الجلادة مخمل بجزالة النظم الكريم كما يشهد به الذوق السليم، نعم لو جعل ضمير {تنازعوا} والضمائر الذي بعده لهم كما ذهب إليه أكثر المفسرين أيضًا لم يكن فيه ذلك الإخلال وإن مخففة من إن وقد أهملت عن العمل واللام فارقة.
وقرأ ابن كثير بتشديد نون {هذان} وهو على خلاف القياس للفرق بين الأسماء المتمكنة وغيرها.
وقال الكوفيون: إن نافية واللام واللام بمعنى إلا أي ما هذان إلا ساحران ويؤيده أنه قرئ كذلك.
وفي رواية عن أبي أنه قرأ {إِنْ هاذان إِلا} وقرئ {إن} بدون هاء التنبيه {إِلا} وعزاها ابن خالويه إلى عبد الله وبعضهم إلى أبي وهي تؤيد ذلك أيضًا.
وقرئ {إن هاذان لساحران} بإسقاط هاء التنبيه فقط.
وقرأ أبو جعفر والحسن وشيبة والأعمش وطلحة وحميد وأيوب وخلف في اختياره وأبو عبيد وأبو حاتم وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير: وابن جبير الأنطاكي، والأخوان، والصاحبان من السبعة {إن} بتشديد النون {هذان} بألف ونون خفيفة، واستشكلت هذه القراءة حتى قيل: إنها لحن وخطأ بناءً على ما أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن عن هشام بن عروة عن أبيه قال: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن لحن القرآن عن قوله تعالى: {إِنْ هاذان لساحران}.
وعن قوله تعالى: {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكواة} [النساء: 162] وعن قوله تعالى: {والذين هَادُواْ والصابئون} [المائدة: 69] فقالت: يا ابن أخي هذا عمل الكتاب أخطؤا في الكتاب، وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما قال الجلال السيوطي.
وهذا مشكل جدًا إذ كيف يظن بالصحابة أولًا أنهم يلحنون في الكلام فضلًا عن القرآن وهم الفصحاء اللد، ثم كيف يظن بهم ثانيًا الغلط في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل ولم يألوا جهدًا في حفظه وضبطه وإتقانه، ثم كيف يظهر بهم ثالثًا اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته، ثم كيف يظن بهم رابعًا عدم تنبههم ورجوعهم عنه، ثم كيف يظن خامسًا الاستمرار على الخطأ وهو مروى بالتواتر خلفًا عن سلف ولو ساغ مثل ذلك لارتفع الوثوق بالقرآن.
وقد خرجت هذه القراءة على وجوه، الأول أن {إن} بمعنى نعم وإلى ذلك ذهب جماعة منهم المبرد والأخفش الصغير وأنشدوا قوله:
بكر العواذل في الصبو ** ح يلمنني وألومهنه

ويقلن شيب قد علا ** ك وقد كبرت فقلت إنه

والجيد الاستدلال بقول ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما لمن قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك إن وراكبها إذ قد قيل: في البيت إنا لا نسلم أن إن فيه بمعنى نعم والهاء للسكت بل هي الناصبة والهاء ضمير منصوب بها والخبر محذوف أي إنه كذلك ولا يصح أن يقال: إنها في الخبر كذلك وحذف الجزءان لأن حذف الجزأين جميعًا لا يجوز.
وضعف هذا الوجه بأن كونها بمعنى نعم لم يثبت، أو هو نادر. وعلى تقدير الثبوت من غير ندرة ليس قبلها ما يقتضي جوابًا حتى تقع نعم في جوابه. والقول بأنه يفهم من صدر الكلام أن منهم من قال: هما ساحران فصدق وقيل: نعم بعيد.
ومثله القول بأن ذلك تصديق لما يفهم من قول فرعون: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يا موسى موسى} [طه: 57] وأيضًا إن لام الابتداء لا تدخل على خبر المبتدأ.
وأجيب عن هذا بأن اللام زائدة وليست للابتداء كما في قوله:
أم الحليس لعجوز شهربه ** ترضى من اللحم بعظم الرقبة

أو بأنها داخلة على مبتدأ محذوف أي لهما ساحران، كما اختاره الزجاج وقال: عرضته على عالمنا وشيخنا وأستاذنا محمد بن زيد يعني المبرد والقاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا أو بأنها دخلت بعد إن هذه لشبهها بأن المؤكدة لفظًا كما زيدت أن بعد ما المصدرية لمشابهتها للنافية في قوله:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته ** على السن خيرًا لا يزال يزيد

ورد الأول: بأن زيادتها في الخبر خاصة بالشعر وما هنا محل النزاع فلا يصح الاحتجاج به كما توهم النيسابوري.
وزيف الثاني أبو علي في الإغفال بما خلاصته أن التأكيد فيما خيف لبسه فإذا بلغ به الشهرة الحذف استغنى لذلك عن التأكيد، ولو كان ما ذكر وجهًا لم يحمل نحو لعجوز شهربة على الضرورة ولا تقاس على أن حيث حذف معها الخبر في:
إن محلا وإن مرتحلا

وإن اجتمعا في التأكيد لأنها مشبهة بلا وحمل النقيض على النقيض شائع، وابن جني بأن الحذف من باب الإيجاز والتأكيد من باب الأطناب والجمع بينهما محال للتنافي.
وأجيب: بأن الحذف لقيام القرينة والاستغناء غير مسلم والتأكيد لمضمون الجملة لا للمحذوف والحمل في البيت ممكن أيضًا واقتصارهم فيه على الضرورة ذهول وكم ترك الأول للآخر واجتماع ألا يجازوا الأطناب مع اختلاف الوجه غير محال. وأصدق شاهد على دخول اللام في مثل هذا الكلام ما رواه الترمذي، وأحمد، وابن ماجه: «أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ» نعم لا نزاع في شذوذ هذا الحذف استعمالًا وقياسًا.
الثاني: أن إن من الحروف الناصبة واسمها ضمير الشأن وما بعد مبتدأ وخبر والجملة خبرها، وإلى ذلك ذهب قدماء النحاة، وضعف بأن ضمير الشان موضوع لتقوية الكلام وما كان كذلك لا يناسبه الحذف والمسموع من حذفه كما في قوله:
إن من لام في بني بنت حسا ** ن ألمه وأعصه في الخطوب

وقوله:
إن من يدخل الكنيسة يوما ** يلق فيها جآذرا وظباء

ضرورة أو شاذ إلا في باب إن المفتوحة إذا خففت فاستسهلوه لوروده في كلام بني على التخفيف فحذف تبعًا لحذف النون ولأنه لو ذكر لوجب التشديد إذ الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها، ثم يرد بحث دخول اللام في الخبر، وإن التزم تقدير مبتدأ داخلة هي عليه فقد سمعت ما فيه من الجرح والتعديل، الثالث: أنها الناصبة وهاء ضمير القصة اسمها وجلمة {هاذان لساحران} خبرها، وضعف بأنه يقتضي وصل ها بإن من إثبات الألف وفصل ها من {ذان} في الرسم وما في المصحف ليس كذلك، ومع ذلك يرد بحث دخول اللام.